[ جزء 4 - صفحة 567 ]
وآخرها إلا على كذبتين زائدتين على كذبكم في دعوى الإجماع كنتم في غنى عن اختفائهما إحداهما قولكم إنكم تقولون ذلك إذا انتشر قول طائفة من الصحابة أو من بعدهم فقالوا ههنا فمن هذا نسألكم من أين علمتم بانتشار ذلك القول ومن أين قطعتم بأنه لم يبق صاحب من الجن والإنس إلا علمه ولا يفتي في شرق الأرض ولا غربها عالم إلا وقد بلغه ذلك القول فهذه أعجوبة ثانية وسوأة من السوءات لا يجيزها إلا ممخرق يريد أن يطبق عين الشمس نصرا لتقليده وتمشية لمقولته المنحلة عما قريب ثم يندب حين لا تنفعها الندامة
والكذبة الأخرى قولكم فلم ينكروها فحتى لو صح لكم أنهم كلهم علموها فمن أين قطعتم بأنهم لم ينكروها وأنهم رضوها وهذه طامة أخرى
ونحن نوجدكم أنهم قد علموا ما أنكروا وسكنوا عن إنكاره لبعض الأمر
نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم بن خليل نا إبراهيم بن حمادة نا إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله هو ابن المديني نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد نا أبي عن محمد بن إسحاق الزهري محمد بن مسلم بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أنه وزفر بن أوس بن الحدثان أتيا عبد الله بن عباس فأخبرهما بقوله في إبطال العول وخلافه لعمر بن الخطاب في ذلك قال فقال له زفر فما منعك يا ابن عباس أن تشير عليه بهذا الرأي قال هبته
نا حمام بن أحمد نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي ثنا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر فلما استخلف عمر تركهما فلما توفي عمر ركعهما قيل له ما هذه قال إن عمر كان يضرب الناس عليهما
نا جهم نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي الديري نا عبد الرزاق عن معمر أخبرني هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب جاء عمر بن الخطاب بأمة سوداء كانت لحاطب فقال إن العتاقة أدركت وقد أصابت فاحشة وقد أحصنت فدعاها عمر فسألها عن ذلك
[ جزء 4 - صفحة 568 ]
فقالت نعم من مرعوش بدرهمين وهي حينئذ تذكر ذلك لا ترى به بأسا فقال عمر لعلي وعبد الرحمن وعثمان أشيروا علي فقال علي وعبد الرحمن نرى أن ترجمها فقال عمر لعثمان أشر فقال قد أشار عليك أخواك قال عزمت عليك إلا أشرت علي برأيك قال فإني لا أرى الحد إلا على من علمه وأراها تستهل به كأنها لا ترى به بأسا فقال عمر صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا عمن علمه
فضربها عمر مائة وغربها عاما
وبه عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب حدثه قال توفي عبد الرحمن بن حاطب وأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم يرعها إلا حبلها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فحدثه فأرسل إليها عمر فسألها فقال أحبلت فقال نعم من مرعوش بدرهمين وإذا هي تستهل به لا تكتمه فصادف عنده علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وعثمان فقال أشيروا علي وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال علي وعبد الرحمن قد وقع عليها الحد فقال عمر أشر علي يا عثمان قال قد أشار عليك أخواك قال أشر علي أنت
قال عثمان أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد إلا على من علمه فأمر بها عمر فجلدت مائة وغربها ثم قال لعثمان صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه
فهذا ابن عباس يخبر أنه منعته الهيبة من الإنكار على عمر فيما يقطع ابن عباس أنه الحق ويدعو فيه إلى المباهلة عند الحجر الأسود وهذا أبو أيوب رجل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعي الإنكار على عمر ضربه على الصلاة بعد العصر وبعيد ضربه وهذا عثمان سكت وقد رأي أمرا أنكره في أشنع الأشياء وأعظمها وهو دم حرام يسفك بغير واجب سأله عمر فتمادى على سكوته إلى أن عزم عليه وقد يسكت المرء لأنه لم يلح له الحق أو يسكت موافقا ثم يبدو له وجه الحق أو رأى آخر بعد مدة فينكر ما كان يقول ويرجع عنه كما فعل علي في بيع أمهات الأولاد وفي التخيير بعد موافقته لعمر على كلا الأمرين أو ينكر فلا يبلغنا إنكاره ويبلغ غيرنا في أقصى المشرق وأقصى المغرب أو أقصى اليمين أو أقصى إرمينية
[ جزء 4 - صفحة 569 ]
وأما تنظيركم بأهل مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والبلاد التي ظهر فيها وغلب عليها قول ما فهذا أعظم حجة عليكم لأنه لا يختلف اثنان أن جمهور القائلين بمذهب رجل ممن ذكرتم لم يخلو قط من خلاف لصاحبهم في المسألة والمسألتين والمسائل وكذلك لم تخل قط البلاد المذكورة من مخالف لمذهب أهلها ولا أكثر من غلبة مذهب مالك على الأندلس وإفريقية وقد كان طوائف علماء مخالفون له جملة قائلون بالحديث أو بمذهب الظاهر أو مذهب الشافعي
وهذا أمر مشاهد في كل وقت ولا أكثر من غلبة الإسلام على البلاد التي غلب عليها ولله الحمد وإن فيها مع ذلك يهود ونصارى وملحدين كثيرا جدا
فظهر فساد تنظيرهم عيانا وعاد ما موهوا به مبطلا لدعواهم وثبت بهذا حتى لو انتشر القول وعرفه جميع العلماء وإن في الممكن أن يخالفه جمهورهم أو بعضهم ثم هذا عمر قد جلد التي لم يرد عليها الرجم لجهلها وهي محصنة مائة وغربها عاما بحضرة علي وعبد الرحمن وعثمان ولم ينكروا عليه ذلك فإن كان عندهم إجماعا فيقولوا به وليس من خصومنا الحاضرين أحد يقول بهذا وإن كان سكوتهم ليس موافقة ولا رضى فليتركوا هذا الأصل الفاسد المهلك في الدين لمن تعلق به ولا بد من أحدهما بالتلاعب بدين الله عز وجل وقد أريناهم سكوتهم رضي الله عما يقولون به فمن الجاهل المنكر لهذا حتى لو صح لهم أنهم عرفوه فكيف وهذا لا يصح أبد الأبد على ما بينا
فإن قال قائل فإذ هو كما قلتم فمن أين قطعتم بالخلاف فيه وإن لم يبلغكم وهلا أنكرتم ذلك على أنفسكم كما أنكرتموه علينا إذ قلنا إنه إجماع قلنا نعم فقلنا ذلك لبرهانين ضروريين قاطعين
أحدهما أن الأصل من الناس وجود الاختلاف في آرائهم لما قدمنا قبل اختلاف أغراضهم وطبائعهم والثاني لأن الله تعالى بذلك قضى إذ يقول { ولو شآء ربك لجعل لناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من لجنة ولناس أجمعين } فصح إن الأصل هو الاختلاف الذي أخبر تعالى أننا لا نزال عليه والذي له خلقنا إلا من استثنى من الأقل
وبرهان ثالث وهو الذي لا يسع أحدا خلافه وهو أن ما ادعيتم فيه الإجماع بالظن الكاذب كما قدمنا لا يخلو ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما أصلا
[ جزء 4 - صفحة 570 ]
إما أن تدعوه في أمر موافق لنص القرآن أو السنة الثابتة المسندة فهذا أمر لا نبالي اتفق عليه أم اختلف فيه إنما الغرض أن يؤخذ بالنص في ذلك سواء أجمع الناس أم اختلفوا ولا معنى حينئذ للاحتجاج بدعوى الإجماع عليه والحجة قائمة بالنص الوارد فيه فلا حاجة إلى القطع بالظن الكاذب في دعوى الإجماع البتة وإما أن تدعوه في أمر لا يوافقه نص قرآن ولا سنة صحيحة مسندة بل هو مخالف لها في عمومها أو ظاهرهما لتصححوه بدعواكم الكاذبة في أنه إجماع فهذه كبيرة من الكبائر وقصد منكم إلى رد اليقين بالظنون وإلى مخالفة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بدعوى كاذبة مفتراة وهذا لا يحل
وإذا كان هذا القسم فنحن نقطع حينئذ ونثبت أنه لا بد من خلاف ثابت فيما ادعيتموه إجماعا لأن الله تعالى قد أعاذ أمة نبيه صلى الله عليه وسلم من الإجماع على الباطل والضلال لمخالفة القرآن وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم لم تقتنعوا بأن كذبتم على جميع الأمة حتى نسبتم إليهم الإجماع على الخطأ في مخالفة القرآن والسنة الثابتة وهذه من العظائم التي نعوذ بالله العظيم من مثلها وليس ههنا قسم ثالث أصلا لما قد أوردنا من البراهين على أنه لا يمكن وقوع نازلة لا يكون حكمها منصوصا في القرآن وبيان النبي صلى الله عليه وسلم إما باسمها الأعم وإما باسمها الأخص
قال أبو محمد واعلموا أن إقدام هؤلاء القوم وجسرهم على معنى الإجماع حيث وجد الاختلاف أو حيث لم يبلغنا ولكنه ممكن أن يوجد أو مضمون أن يوجد فإنه قول خالفوا فيه الإجماع حقا وما روي قط عن صاحب ولا عن تابع القطع بدعوى الإجماع حتى أتى هؤلاء الذين جعلوا الكلام في دين الله تعالى مغالبة ومجاذبة وتحققا بالرياسة على مقلدهم وكفى بهذا فضيحة
وأيضا قد تيقن إجماع المسلمين على أنه لا يحل لأحد أن يقطع بظنه اليقين فيه فهذا إجماع آخر فقد خالفوه في هذه المسألة نا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد نا سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال قال رجل لابن مسعود أوصني بكلمات جوامع فقال له ابن مسعود اعبد الله ولا تشرك به شيئا وزل مع القرآن حيث زال ومن أتاك بحق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا ومن أتاك بالباطل فاردده وإن كان قريبا حبيبا
No comments:
Post a Comment