باب من الاجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه باجماع
اتفقوا ان الله عز وجل وحده لا شريك له خالق كل شيء غيره وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه ثم خلق الاشياء كلها كما شاء وأن النفس مخلوقة والعرش مخلوق والعالم كله مخلوق وأن النبوة حق وأنه كان أنبياء كثير منهم من سمى الله تعالى في القرآن ومنهم من لم يسم لنا وأن محمد بن عبدالله القرشي الهاشمي المبعوث بمكة المهاجر الى المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جميع الجن والانس الى يوم القيامة
وان دين الاسلام هو الدين الذي لا دين لله في الارض سواه وأنه ناسخ
ص:167
لجميع الاديان قبله وأنه لا ينسخه دين بعده أبدا وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدا
وأن الجنة حق وانها دار نعيم أبدا لا تفنى ولا يفنى أهلها بلا نهاية وانها أعدت للمسلمين والنبي صلى الله عليه وسلمين المتقدمين وأتباعهم على حقيقة كما أتوا به قبل ان ينسخ الله تعالى أديانهم بدين الاسلام
وان النار حق وأنها دار عذاب أبدا لا تفنى ولا يفنى أهلها أبدا بلا نهاية وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الاسلام ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم الصلاة والتسليم وبلوغ خبره اليه
وأن القرآن المتلو الذي في المصاحف بايدي الناس في شرق الأرض وغربها من أول الحمد لله رب العالمين الى آخر قل أعوذ برب الناس هو كلام الله عز وجل ووحيه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مختارا له من بين الناس
وأنه لا نبي مع محمد صلى الله عليه وسلم ولا بعده أبدا الا أنهم اختلفوا في عيسى عليه السلام أيأتي قبل يوم القيامة أم لا وهو عيسى بن مريم المبعوث الى بني اسرائيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم
واتفقوا أن كل نبي ذكر في القرآن حق كآدم وأدريس ونوح وهود وصالح وشعيب ويونس وابراهيم واسمعيل واسحاق ويعقوب ويوسف وهارون وداود وسليمان والياس واليسع ولوط وزكريا ويحيى وعيسى وأيوب وذي الكفل
ص:173
واختلفوا في نبوة مريم وام موسى وام اسحاق
واتفقوا أن عيسى عليه السلام عبد مخلوق من غير ذكر لكن في بطن مريم وهي بكر
واتفقوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم دعا العرب الى أن يأتوا بمثل القرآن فعجزوا عنه كلهم
واتفقوا أن مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من مكة دار الحج الى المدينة يثرب وأن قبره بيثرب وبها مات عليه السلام وأنه عليه السلام نكح النساء وأولد وأنه عليه السلام بقي بالمدينة عشر سنين نبيا رسولا وبمكة مثلها رسولا ونبيا واختلفوا هل بقي بمكة أكثر أم لا
واتفقوا ان الملائكة حق وان جبريل وميكائيل ملكان رسولان لله عز وجل مقربان عظيمان عند الله تعالى وأن الملائكة كلهم مؤمنون فضلا وأن الجن حق وأن ابليس عاص لله كافر مذ أبى السجود لآدم وأستخف به عليه السلام
وأن كل ما في القرآن حق وأن من زاد فيه حرفا من غير القرءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة أو نقص منه حرفا أو بدل منه حرفا مكان حرف وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمدا لكل ذلك عالما بانه بخلاف ما فعل فانه كافر
واتفقوا أنه لا يكتب في المصحف متصلا بالقرآن ما ليس من القرآن
واختلفوا في بسم الله الرحمن الرحيم فقال قائل لا تكتب وليست من القرأن الا في داخل سورة النمل وقال آخرون تكتب في أول كل سورة حاشا براءة وهي من القرآن في كل موضع قبل أول كل سورة وقال آخرون تكتب في أول كل سورة حاشا براءة وليست من القرآن
واتفقوا انها في داخل النمل من القرآن وأنها تكتب هنالك
واتفقوا انها ليست في أول براءة وأنها لا تكتب هناك
واتفقوا أنه مذ مات النبي صلى الله عليه وسلم فقد انقطع الوحي وكمل الدين واستقر وأنه لا يحل لاحد أن يزيد شيئا من رايه بغير استدلال منه ولا أن ينقص منه شيئا
ص:174
ولا أن يبدل شيئا مكان شيء ولا أن يحدث شريعة وأن من فعل ذلك كافر
واتفقوا أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صح أنه كلامه بيقين فواجب اتباعه
واختلفوا في كيفية صحته بما فيه البلاغ الى نقل الكافة
واتفقوا أن نقل الكافة حق فمن خالفه بعد علمه أنه نقل كافة كفر
واتفقوا أن طلب رخص كل تأويل بلا كتاب ولا سنة فسق لا يحل
واتفقوا أنه لا يحل ترك ما صح من الكتاب والسنة والاقتصار على ما اقتصر عليه فقط
واتفقوا أنه لا يحل لأحد أن يحلل ولا أن يحرم ولا أن يوجب حكما بغير دليل من قرآن أو سنة أو اجماع أو نظر
واختلفوا في النظر فقال بعضهم منه الاستحسان
وقال بعضهم منه تقليد صاحب أو تابع أو فقيه فاضل
وقال بعضهم منه القياس
وقال بعضهم هو استصحاب الحال المجتمع عليها ومفهوم اللفظ والوارد في نص القرآن والسنة
واتفقوا أن الله تعالى مسمى بأسمائه التي نص عليها في القرآن فقد ذكرناها في مكان آخر وأنه تعالى لا يخفى عليه شيءولا يضل ولا ينسى ولا يجهل وأن كل ما ورد في القرآن من خبر ما مضى أو ما يأتي حق صحيح وصدق ولا شك فيه
واتفقوا أن البعث حق وأن الناس كلهم يبعثون في وقت تنقطع فيه سكناهم
ص:175
في الدنيا يحاسبون عما عملوا من خير وشر وأن الله تعالى يعذب من يشاء ويغفر لم يشاء واختلفوا في تفسير هذه الجملة بعد اتفاقهم على هذا اللفظ
واتفقوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه لا يرجعون الى الدنيا الا حين يبعثون مع جميع الناس وأن الاجساد تنشر وتجمع مع الانفس يومئذ
واتفقوا أن التوبة من الكفر مقبولة ما لم يوقن الانسان بالموت بالمعاينة ومن الزنا ومن فعل قوم لوط ومن شرب الخمر ومن كل معصية بين المرء وربه تعالى مما لا يحتاج في التوبة منه الى دفع مال ومما ليس مظلمة لانسان
واتفقوا أن ما وصف الله تعالى به في الجنة من اكل وشرب وازواج مقدسات ولباس ولذة حق صحيح وأنه ليس شيء من ذلك معاني بنار وأنه لا ذبح فيها ولا موت وأن كل ذلك بخلاف ما في الدنيا لكن أمر من أمره تعالى لا يعلم كيفيته غيره
وأن الاجساد تدخل مع أنفسها الفاضلة الجنة بعد أن تصفى الأجساد من كل كدر والأنفس من كل غل وأن أجساد العصاة تدخل مع أنفسهم في النار وأن الانفس لا تنتقل بعد خروجها عن الاجسام الى أجسام أخر البتة لكنها تستقر حيث شاء الله
واختلفوا في موضع استقرارها وفي فنائها وعودتها وأن لا فناء وقد بينا الحق في ذلك في غير هذا المكان
واتفقوا في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلوب
واختلفوا في وجوبه بالأيدي والسلاح
واتفقوا أن من آمن بكل ما ذكرنا وحرم كل ما قدمنا أنه حرام وأحل كل ما ذكرنا أنه حلال وأوجب كل ما قدمنا أنه واجب وتبرأ من ايجاب كل ما ذكرنا أنه غير واجب فقد استحق اسم الايمان والاسلام
ثم اختلفوا في زواله عنه بتقصيره في العمل أو برأي أو تأويل له تفسير هذه الجملة التي قدمنا
ص:176
واتفقوا ان من آمن بالله تعالى وبرسوله وبكل ما أتى به صلى الله عليه وسلم مما نقل عنه نقل الكافة أو شك في التوحيد أو في النبوة او في محمد صلى الله عليه وسلم أو في حرف مما أتى به عليه السلام أو في شريعة أتى بها عليه السلام مما نقل عنه نقل كافة فان من جحد شيئا مما ذكرنا أو شك في شيء منه ومات على ذلك فانه كافر مشرك مخلد في النار أبدا
قال أبو محمد قد انتهينا حيث انتهى بنا عون الله عز وجل لنا وبلغنا حيث بلغنا ما وهبنا الله تعالى من العلم ولله الحمد والشكر ونحن نرغب ممن قرأ كتابنا هذا أن يلتزم لنا شرطين
أحدهما أن لا ينحلنا ما لم نقل بكلفة منه أو تعمد وذلك مثل ان يجدنا قلنا في أمر ما قد وصفناه فمن فعل ذلك فقد أصاب فظن أن قولنا ان من خالف ذلك فقد أخطأ وما أشبه ذلك مما نذكر الحكم فيه فيوجب علينا ان من خالف تلك الجملة ما وصفناها به فليس هذا قولنا لكن من خالف تلك الجملة موقوف على اختلاف الناس فيه فمن مصوب له ومن مخطئ له وانما شرطنا ذكر الاتفاق لا ذكر الاختلاف ولعل الاختلاف يكون أزيد من خمسمائة كتاب مثل هذا الكتاب اذا تقصى
والثاني أن يتدبر جميع ألفاظنا في هذا الكتاب فانا لم نورد منه لفظة في ذكرنا عقد الاجماع الا لمعنى كان يختل لو لم تذكر تلك اللفظة فليتعقب هذا فانه ينتفع بمثله منفعة عظيمة ويكتسب علما وشحذا لذهنه وتعلما لمعاني الالفاظ وبناء الكلام على المعاني
ورأيت لبعض من ينسب نفسه للامامة والكلام في الدين ونصب لذلك
ص:177
طوائفه من المسلمين فصولا ذكر فيها الاجماع فاتى بكلام لو سكت عنه لكان أسلم له في أخراه بل الخرس كان اسلم له وهو ابن مجاهد البصرى الطائي لا المقرئ فانه أتى فيما ادعى فيه الاجماع أنهم أجمعوا على ان لا يخرج على أئمة الجور فاستعظمت ذلك ولعمري انه عظيم ان يكون قدعلم ان مخالف الاجماع كافر فيلقي هذا الى الناس وقد علم أن افاضل الصحابة وبقية الناس توم الحرة خرجوا على يزيد بن معاوية وأن ابن الزبير ومن اتبعه من خيار المسلمين خرجوا عليه أيضا رضي الله عن الخارجين عليه ولعن قتلتهم وأن الحسن البصري وأكابر التابعين خرجوا على الحجاج بسيوفهم أترى هؤلاء كفروا بل والله من كفرهم أحق بالكفر منهم ولعمري لو كان اختلافا يخفى لعذرناه ولكنه أمر مشهور يعرفه أكثر العوام في الاسواق والمخدرات في خدورهن لاشتهاره فلقد يحق على المرء أن يخطم كلامه وأن يزمه الا بعد تحقيق وميز وأن يعلم ان الله تعالى بالمرصاد وان كلامه محسوب مكتوب مسئول عنه يوم القيامة وعن كل تابع له الى آخر من اتبعه عليه وزره
ثم لجمهور علماء الحديث ائمتنا رضي الله عنهم اتفاقات أخر لم نذكرها ههنا لانهم لم يجمعوا على تفسيق من خالفها فضلا عن تكفيره كما أنهم لم يختلفوا في تكفير من خالفهم فيما قدمنا في هذا الكتاب
وليعلم القارئ لكلامنا أن بين قولنا لم يجمعوا وبين قولنا لم يتفقوا فرقا عظيما
وهو آخر ما وجد في الأصل الذي طبعنا عنه
ص:178
No comments:
Post a Comment