Thursday, September 4, 2008

الباب الثاني والعشرون في الإجماع

الإجماع من كتاب إحكام الأحكام لابن حزم

نسخة برنامج التراث : مكتبة الفقه وأصوله ، الإصدار 3 ، (دار الحديث ، القاهرة ، ط1 ، 1404)

[ جزء 4 - صفحة 525 ]

الباب الثاني والعشرون في الإجماع

وعن أي شيء يكون الإجماع وكيف ينقل الإجماع

قال أبو محمد اتفقنا نحن وجميع أهل الإسلام جنهم وإنسهم في كل زمان إجماعا صحيحا متيقنا على أن القرآن الذي أنزله الله على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم فإنه حق لازم لكل أحد وإنه دين الإسلام

ثم اختلفوا في الطريق المؤدية إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فاعلموا رحمكم الله أن من اتبع نص القرآن وما أسند من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اتبع الإجماع يقينا وأن من عاج عن شيء من ذلك فلم يتبع الإجماع

وكذلك إجماع أهل الإسلام كلهم جنهم وإنسهم في كل زمان وكل مكان على أن السنة واجب اتباعها وأنها ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك اتفقوا على وجوب لزوم الجماعة فاعلموا رحمكم الله أن ما اتبع ما صح برواية الثقات مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اتبع السنة يقينا ولزوم الجماعة وهم الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان ومن أتى بعدهم من الأئمة وأن من اتبع أحدا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتبع السنة ولا الجماعة وأنه كاذب في ادعائه السنة والجماعة فنحن معشر المتبعين للحديث المعتمدين عليه أهل السنة والجماعة حقا بالبرهان الضروري وأننا أهل الإجماع كذلك والحمد لله رب العالمين

ثم اتفقنا نحن وأكثر المخالفين لنا على أن الإجماع من علماء أهل الإسلام حجة وحق مقطوع به في دين الله عز وجل

ثم اختلفنا فقالت طائفة هو شيء غير القرآن وغير ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أن يجتمع علماء المسلمين على حكم لا نص فيه لكن برأي منهم أو بقياس منهم عن منصوص

وقلنا نحن هذا باطل ولا يمكن البتة أن يكون إجماع من علماء الأمة على غير نص من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين في أي قول

[ جزء 4 - صفحة 526 ]

المختلفين هو الحق لا بد من هذا فيكون من وافق ذلك النص هو صاحب الحق المأجور مرتين مرة على اجتهاده وطلبه الحق ومرة ثانية على قوله بالحق واتباعه له

ويكون من خالف ذلك النص غير مستجيز لخلافه لكن قاصدا إلى الحق مخطئا مأجورا أجرا واحدا على طلبه للحق مرفوعا عنه الإثم إذا لم يعمد له

وقد تيقن ألا يختلف المسلمون في بعض النصوص ولكن يوقع الله عز وجل لهم الإجماع عليه كما أوقع تعالى بينهم الاختلاف فيما شاء أن يختلفوا فيه من النصوص

واحتجت الطائفة المخالفة لنا بأن قالت قال الله عز وجل { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }

قالوا فافترض الله طاعة أولي الأمر كما افترض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وكما افترض طاعة نفسه عز وجل أيضا ولا فرق

فلو كان عز وجل إنما افترض طاعتهم فيما نقلوه إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان لتكرار الأمر بطاعتهم بمعنى لأنه يكتفي عز وجل بذكر طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقط لأنها على قولكم معنى واحد فصح أنه إنما افترض عز وجل طاعتهم فيما قالوه برأي أو قياس مما ليس فيه نص عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم

قال أبو محمد وجمعوا في استدلالهم بهذه الآية إلى تصحيح الإجماع تصحيح القول بالرأي والقياس فيما ظنوا وقالوا أيضا قال عز وجل { وإذا جآءهم أمر من لأمن أو لخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى لرسول وإلى أولي لأمر منهم لعلمه لذين يستنبطونه منهم ولولا فضل لله عليكم ورحمته لاتبعتم لشيطان إلا قليلا } قالوا وهذه كالتي قبلها وقالوا أيضا قال الله عز وجل { ومن يشاقق لرسول من بعد ما تبين له لهدى ويتبع غير سبيل لمؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا } قالوا فتوعدوا على مخالفة سبيل المؤمنين أشد الوعيد فصح فرض اتباعهم فيما أجمعوا عليه من أي وجه أجمعوا عليه لأنه سبيلهم الذي لا يجوز ترك اتباعه

[ جزء 4 - صفحة 527 ]

وذكروا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا سعيد بن منصور وأبو الربيع العتكي وقتيبة قالوا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبى عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله زاد العتكي وسعيد في روايتهما وهم كذلك

وبه إلى مسلم حدثنا منصور بن أبي مزاحم ثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني عمير بن هاني قال سمعت معاوية على المنبر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفريري ثنا البخاري ثنا الحميدي ثنا الوليد هو ابن مسلم ثنا ابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني عمير بن هاني قال سمعت معاوية يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك قالوا فصح أنه لا تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على غير الحق أبدا لأنه صلى الله عليه وسلم قد أنذر بأنه لا يزال منهم قائم بالحق أبدا

قال أبو محمد وقد روي أنه عليه السلام قال لا تجتمع أمتي على ضلالة وهذا وإن لم يصح لفظه ولا سنده فمعناه صحيح بالخبرين المذكورين آنفا

قال أبو محمد هذا كل ما احتجوا به ما لهم حجة غير هذا أصلا

قال أبو محمد وكل هذا حق لا ينكره مسلم ونحن لم نخالفهم في صحة الإجماع وإنما خالفناهم في موضعين من قولهم

أحدهما تجويزهم أن يكون الإجماع على غير نص

والثاني دعواهم الإجماع في مواضع ادعوا فيها الباطل بحيث لا يقطع أنه إجماع بلا برهان

أما في مكان قد صح فيه الاختلاف موجودا وإما في مكان لا نعلم نحن فيه

No comments: